مكاسب
(يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ)
بين الفرقان الأول يوم “بدر”
وفرقان العصر يوم “سبتمبر”

حديثي إليكم اليوم عن غزوتين من كبريات الغزوات الفارقة في الإسلام، فقد كانت صبيحة بدر الكبرى في اليوم السابع عشر من رمضان للعام الثاني من الهجرة ؛ واحدة من تلك اللحظات التاريخية الفارقة التي انقسم فيها التأريخ العالمي ومعها العالم بأسره إلى ما قبل وما بعد، بيد أن القوى العالمية الكبرى حينئذ لم تدرك هذه اللحظة التاريخية الفارقة ولم تتنبه لأحداثها وتداعياتها إلا بعدما سقطت عاصمة فارس والروم تحت قدم المقاتل العربي المحمدي في عهد الفاروق أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب – رضي الله عنه..
كان يوم الفرقان يوم التقى الجمعان فارقا واضحا بشدة لكل مؤرخ ودارس، فقد كان فرقانا تاريخيا ظاهراً للجميع، وفرقا لافتا للأنظار لما كان قبل وما جاء بعد، فالمسلمون كانوا قلة قليلة مقابل الكفار وكثرتهم، والمسلمون كان مقصدهم الاستيلاء على قافلة وعير ولم يكن لديهم عدة وعتاد معدود للحرب الضروس، بينما استعد في المقابل الكفار
للحرب والقتال بالعدد والعتاد والفرسان، فأراد الحق تبارك وتعالى أن يواجه المسلمون وهم قلة جيشا له شوكة وعدة وعتاد..
شاء الله عز وجل أن يخوض المؤمنون وأن ينتصروا في معركة الفرقان الأول وهم قلة قليلة عاجزة يومئذ عن استرجاع ديارهم وأوطانهم التي أخرجوا منها، حتى يعلم الجميع ويدرك أن هذه القلة المؤمنة انتصرت بلا عدد ولا غدة على من يفوقونهم في العدد والعدة والعتاد، وبذلك يظهر الفرق والفرقان بين الكفر والإيمان في جميع الأزمان، وبين قوة أولياء الرحمن وزيف قوة أولياء الشيطان، ولو استولى المسلمون يومها على قافلة قريش وعيرها لقيل: إن اية مجموعة من المسلحين الخارجين عن القانون كانت تستطيع أن تنهب هذه القافلة وتغتنم عيرها، ولذلك لم يعطهم الله العير بل ابتلاهم بالنفير وهو الجيش الخارج بقصد الحرب وهو مستعد لها، ليلفت النظر إلى الفرقان بين هؤلاء المؤمنين الذين خرجوا قليلين بغير قصد الحرب ثم حققوا نصرا كاسحا على كثرة الكفار الذين خرجوا للحرب واستعدوا لها..
هذا أول شاطئ من شواطئ الغزوات الفارقة في التأريخ الإسلامي المجيد، وقد قيل عنه الكثير، وفي تأريخنا الطويل من الغزوات الفارقة ما هو أكثر، غير أنني سأزجي القلم هن للحديث عن شاطئ معاصر من أواخر غزواتنا الإسلامية الغارقة في عصرنا الحاضر، وهو يوم الحادي عشر من سبتمبر، فهو أيضا بدر كبرى في معنى من معانيها، وهو يوم فرقان قد التقى فيه الجمعان والخصمان الذين اختصموا في ربهم، وكما فعل كفار قريش من تركيزهم الضوء على ما فقدوه من العير كي يصرفوا أنظار الناس عن فضيحتهم الكبرى بفقدهم خيرة رجالهم من النفير، كذلك فعلت أمريكا بتسليطها الضوء وتركيزه على مشاهد تهاوي برجي التجارة العالمي كي يصرفوا الأنظار عن الفضيحة الكبرى بلطم وتحطيم حصنهم العسكري وقلعتهم الحربية (البنتاغون) والفتك بألف قائد عسكري أمريكي فيها، ومهما تجاهل يوم سبتمبر المتجاهلون، وأعرض عن ذكره صفحا الحاسدون، وقلل من شأنه الاستراتيجيون المصابون بمتلازمة المعاصرة، فستبقى هذه الغزوة الإسلامية من الغزوات الخالدة في التأريخ الإسلامي، باعتبارها امتداد أصيل لغزوة بدر الأولى التي تهاوت فيها أركان هبل ذاك العصر، ولقد أدرك مؤرخو الأمريكان أنها يوم فرقان على غرار يوم بدر الكبرى، ومن أفضل من عبر عن ذلك المؤرخ الأمريكي: (بول كيندي) حيث أشار في عدد من كتبه ومقالاته إلى أن البداية الحقيقية الفارقة للقرن الواحد والعشرين عما سبقه من قرون، تم تدشينها بعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر القاتلة ؛ ومن تم فهذه الهجمات هي حدت فارق في التاريخ الإنساني كما يقول (بول كيندي)، لذلك ومهما حاولت أمريكا استعادة توازنها وتأكيد هيمنتها فلن تعود كما كانت قبل انهيار أكبر رموزها: البنتاجون مبنى وزارة الدفاع الأمريكية القوة العظمى في التاريخ البشري، ومركز التجارة العالمي الذي يناطح السحاب، ويمثل عنوانا على السطوة الاقتصادية والهيمنة المالية المرعبة للرأسمالية الامريكية بكل جبروتها وبشاعتها.
إن قوة غزوة سبتمبر وجسامتها وخطورتها لم تتمثل فقط في عنفها وقوتها؛ وإنما أيضا في عدم توقعها وفجاءتها؛ فقد دهمت الهجمات أمريكا من حيث لم تحتسب أو تقدر..
دعونا نعود مقا للخلف لنستذكر صفحة من تأريخ إسلامنا المجيد ؛ ففي صبيحة يوم الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001، ضجت الانباء يومئذ بان قلاع أمريكا وحصونها الكبرى تتعرض لهجوم غير مسبوق في عمق الداخل الأمريكي، تبين بعدئذ أن تسعة عشر فارسا من فرسان المسلمين كانوا هم من صبحوا أرض الروم الكبرى في عقر دارهم وفي وسط عاصمتهم..
تقول الانباء الامريكية يومئذ: إن رجلا مسلما يدعى بأسامة بن لادن في أباعد الأرض وأحراشها رمى بأربعة رماح من قندهار فوصلت رماحه لواشنطن ونيويورك، فأصابت ثلاثة منها فؤاد أمريكا العسكري وكليتاها الاقتصادية، وراح ضحية رماحه الأربعة وفق التقديرات المعلنة أكثر من 6000 آلاف أمريكي، وهو ضعف العدد الذي راح في الاعتداء على بيرل هاربر..
نعم؛ لقد صبحوا أصحاب الشوكة العظمى في التأريخ من أهل الكفر والشرك، فحطموا اكبر حصونهم العسكرية (البنتاجون)، ودمروا اكبر أبراجهم الاقتصادية (مركزا التجارة العالمي)، في غزوة إسلامية خالدة شاهدها العالم أجمع على البث المباشر، فما رأى العالم وما سمع بمثلها عسكريا واستراتيجيا في التأريخ الإنساني قط..
لم يكن غزاة المسلمين عشرين ولا مائة صابرة كي يغلبوا مائتين أو ألفين، وإنما كانوا مجرد تسعة عشر فارسا فغلبوا ستة آلاف من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون..
في صبيحة بدر سبتمبر رأى العالم أجمع تهاوي أبرز وأضخم معالم عاصمة العالم الرأسمالي تحت هجوم الغزاة المسلمين ليتحول إلى ركام من الزجاج والحديد والغبار الخانق، ثم أتبعه البنتاجون رمز القوة الأميركية، فتم استهداف الجزء الأهم منه والذي يؤوي كبرى قيادات الجيش الأميركي وقدامى محاربيه وسادته، حتى طائرة الرئيس بوش (آرفورس) كانت لفترة طويلة تبدو كما لو أنها تدبر عن العاصمة واشنطن وتفر من البلاد هاربة كهروب طائرة الرئيس التونسي زين العابدين، بحثا عن الأمن في سماء وأرض ظنوا أن المسلمين التسعة عشر كانوا قد احتلوها، فلا تدرى طائرة الرئيس الأمريكي على أي أرض تهبط.
وقبل أن يواروا أنفسهم وأعداءهم الثرى ؛ وارى فرسان الأمة الإسلامية التسعة عشر فكرة القارة الحصينة الآمنة التي يحميها محيطان عظيمان هما الأطلنطي والهادي، وتحميها القنابل النووية، وواروا معهم الهيبة الأمريكية في المزبلة إلى حد فرار واختفاء الرئيس الأمريكي بوش عن العاصمة ذعرا وهلعا، فبدت يومها الولايات المتحدة الأمريكية بكل جبروتها في حالة فراغ كامل من السلطة، وكأننا إزاء مشهد من مشاهد انقلاب سيرلنكا الأخير، وحينها فقط بدت نيويورك وواشنطن وكأنهما مدينتان للأشباح..
لقد جاءت غزوتا نيويورك وواشنطن لتعيد أمريكا من جديد إلى وضعها الطبيعي كدولة يجري عليها ما يجري على الدول الأخرى من عوادي الأزمان وصوارف الدهور، ومن تم فإن فهم السلوك الأمريكي الذي شاهدناه في العقدين الماضيين في صورة تحركات وقرارات وضغوط ومساومات وتصريحات وتهديدات لا يمكن أن نفصله عن عمق ما أحدثته غزوة سبتمبر القاتلة من تأثير عميق وقرح شديد في التأريخ الأمريكي وإلى الابد..
إن غزوة سبتمبر جعلت السلوك الأمريكي الاهوج بطبعه يتحرك بعصبية واسعة وهيجان مضطرب لأنه مجروح في أسمى كرامة إحساسه، فقد شعر بان هذه الغزوة الفارقة هي مؤشر لا يمكن تجاهله لتأكيد أن القوة الامريكية دخلت بالفعل طورا جديدا من أطوار بدايات الهبوط والانحطاط والوهن، والمتأمل في تأريخ الأمم وصعود القوى وهبوطها فسوف يلاحظ أن بلوغ أي قوة عظمى لمنتهى قوتها يواكبه في نفس التوقيت بدايات حركة عوامل الضعف فالانحطاط، وهذا في العادة يكون أمرا غير محسوس ؛ إذ إن آثاره قد لا تبدو إلا بعد عقود طويلة؛ لكنه في الحالة الأمريكية يعلن عن نفسه أمام الدنيا كلها وكأن الله سبحانه وتعالى يذكر أهل الأرض جميعا بأن سننه لا تغالب، وقدرته لا تقاوم، وأن أمره بعد الكاف والنون، فإذا أراد شيئا فإنه يقول له كن فيكون..
كانت بدر سبتمبر خيبة الأمل الأمريكي، فلقد جاءت أحداثها الدامية في غير السياق المرسوم للتفوق الأمريكي، ذلك النجم الذي ظن أصحابه أنه سيبقى خالدا ببقاء الحياة؛ فقبل شهر واحد فقط من هذه الأحداث ذكر تقرير لوزارة الخارجية البريطانية أن من شبه الأكيد أن الولايات المتحدة ستظل حتى عام 2030م القوة العسكرية والاقتصادية العظمى الوحيدة في العالم ؛ حتى جاءت هذه الضربة الإسلامية الخالدة فغيرت وجه العالم بأسره..
نعم؛ لم يوفق الكافرون الأولون قديما في دراسة تداعيات فرقان بدر ولا الكافرون المعاصرون بسبر أغوار فرقان سبتمبر، بيد أن صفوة قليلة من الدارسين أدركت أن ما حدث سيأذن بتغيير موازين القوى العالمية، واهتزاز هيمنة أصحاب الشوكة العظمى على العالم..
بعد توفيق الله في إنجاح هذا العمل الجهادي الجبار؛ تكاثرت الآراء، وتباينت التحليلات حول أبعاد وتداعيات ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية في العام الأول من الألفية الثالثة ؛ حيث لم يكن يخطر ببال أحد من الناس حتى أكثرهم تشاؤما أن تختتم الألفية الثانية بأحداث الانتفاضة الدامية الباكية، والتي لا يعرف أحد إلى أي شيء ستنتهي، ولم يكن يخطر ببال أحد أيضا ان تفتتح الالفية الثالثة بأحداث تفجيرات أمريكا التي لا يعرف أحد أيضا إلى أي شيء ستقود العالم، لكن قليل من المحللين أدركوا بعد استجلاء تلك التطورات والإحاطة بظواهرها، ودراسة العوامل المؤثرة أن أثر الضربة الإسلامية على الهيمنة الأمريكية ستكون كبيرة للغاية ؛ وأن حجم التغير في هيكلة النظام العالمي وموازين القوى فيه ستكون أكبر، وأما عن مكتسبات الأمة الإسلامية من بدر سبتمبر التي تعد من أكبر غزواتها في التاريخ الإسلامي، فقد
ألحقت بالعدو الأمريكي خسائر فادحة لا يمكن تداركها على جميع المستويات، فإذا تأملنا في الخسائر العسكرية فهي أكبر من خسائر أي حرب حقيقية خاضتها أمريكا عبر تأريخها الطويل ؛ لأن تدمير مركز القيادة العسكرية في أكبر حصونها العسكرية، وأحصن قلاعها الحربية (البنتاغون) قد حصد أرواح ما لا يقل عن الف من كبار موظفي إدارة الجيش الأمريكي، وهو أثمن عند أمريكا من الدبابات والقنابل النووية، وأغلى من الغواصات والطائرات والصواريخ، فهؤلاء الضحايا العسكريون قد قضوا وقضت معهم خبرات وأخبار، وخطط واسرار، ولن تستطيع أمريكا بشكل شبه مؤكد تعويض خسارتها فيهم على المدى القريب والبعيد، وأما ما هو مؤكد بالفعل، فإن أمريكا قد خاضت حروبها في القرن الحادي والعشرين محرومة من تلك الإمكانات والكفاءات، ولهذا انهزمت في العراق وأفغانستان، وستنهزم قريبا في الصومال وغيرها بإذن الله.
ومن الناحية الاقتصادية؛ فلا شك أن الكسر والوهن الذي أصاب الاقتصاد الأمريكي غير قابل للجبر على المدى القريب والبعيد أيضا، وغالب الظن أن لن ينجبر أبدا ليعود كما كان؛ حيث دخلت أمريكا والعالم معها مضيقا تاريخيا مظلما، وأزمة اقتصادية مجهولة الابعاد، كان من أجلى صورها حرمان أمريكا وشعبها الهمجي إلى الأبد من ميزة الرفاه الزائد، والفائض المتراكم الذي كانت تتمتع به لأكثر من ربع قرن، وانظر إليهم اليوم كيف يستجدون العالم الحليب المجفف لأطفالهم، ويتخاصمون على لتر واحد من البنزين.
لقد كان الحادي عشر من سبتمبر بدرا فارقا من بدور الامة الإسلامية وغزواتها المجيدة الفارقة، فلقد جعلت أمريكا تدخل حروبا غير مستعدة لها، فأبانت للعالم عن ضعفها، وتهورها، وغشامتها، وعمق جهلها بالحاضر والغابر، ومجرد دخول أمريكا في تلك الحروب هو في حد ذاته ورطة كبيرة ذات فروع ؛ فمن فروعها أن أمريكا اضطرت للدخول في تلك الحرب بشكل، ارتجالي، وبتحالفات غير متينة ولا واضحة المعالم، وقد اضطرت لهذه العجلة وذلك الارتجال تحت ضغط الداخل الأمريكي الأعمى الثائر، والخارج الأمريكي الشامت المتشائم، غلم يكن بوسع الإدارة الأمريكية إلا أن تتخذ قرار الحرب بلا تفكير ولا تدبر، ولم يكن بوسعها إلا أن تبدأ تلك الحرب خارج حدودها وهي غير آمنة للمرة الأولى في تأريخها على ما هو داخل حدودها، وتلك ورطة أخرى ؛ فالحرب قد تطول فتطول معها حالة الطوارئ داخل أمريكا كما هو حالها وواقعها اليوم، وفي هذا ما فيه من ضغط هائل على الإدارات الأمريكية المتعاقبة..
ومن مكاسب بدر سبتمبر أنها أشعلت لهب التشاحن الصليبي، وأظهرت جمر الخلاف الكامن تحت الرماد بين الصليبيين، فأوروبا الغربية ذات الأغلبية الكاثوليكية، وأوروبا الشرقية ذات الأغلبية الأرثوذكسية وجدتا فرصة سانحة لإنزال أمريكا البروتستانتية من فوق كرسي التفرد بزعامة العالم، قد لا تعوض إذا فوتت، وإذا فاتت فعلى أوروبا أن ترضى دوما بالتبعية الذليلة لأمريكا.
ومن مكاسب بدر سبتمبر انتصارها الكبير على الجانب الاستخباراتي وأحصن قلاعها الحربية (البنتاغون) قد حصد أرواح ما لا يقل عن ألف من كبار موظفي إدارة الجيش الأمريكي، وهو أثمن عند أمريكا من الدبابات والقنابل النووية، وأغلى من الغواصات والطائرات والصواريخ، فهؤلاء الضحايا العسكريون قد قضوا وقضت معهم خبرات وأخبار، وخطط وأسرار، ولن تستطيع أمريكا بشكل شبه مؤكد تعويض خسارتها فيهم على المدى القريب والبعيد…
فارسا مسلما بكل جدارة الحواجز الأمنية لأكبر قوة معلوماتية استخباراتية في العالم ؛ بحيث أتى الأمر كله مفاجأة وهو ما جعل الأمريكيين وغيرهم يصابون بالذهول ويتساءلون: ماذا لو كان هذا الهجوم من قوة عظمى أو حتى من إرهابيين يملكون أسلحة فتاكة كالأسلحة النووية أو الجرثومية أو غيرها؟
ومن مكاسب بدر سبتمبر إلحاقها الشلل النصفي بقوة أمريكا الاقتصادية بشكل مؤثر وكبير جدا، فكان تدمير مركزي التجارة العالمي حدثا لا يمكن احتواء آثاره البتة، لأنه نتج عنه موت كثير من العقول التي تصنع الحياة الاقتصادية في أمريكا، وضياع قدر كبير من الوثائق والأموال، ناهيك عما لحق كثيراً من الشركات الأمريكية من خسائر فادحة تقدر بالمليارات، وهذا بلا شك ألحق الشلل بالمنظومة الاقتصادية العالمية والأمريكية.
ومهما أطلنا الحديث عن وجوه التشابه والمقاربة بين يوم بدر ويوم سبتمبر ومكاسبهما فلن نستطيع أن نوفي الموضوع حقه، فهو كما قيل: كان حدثا يفوق الخيال، فآثاره وتداعياته لا زالت مستمرة ولا يعرف أحد إلى ما ستنتهي إليه، ولهذا أرى ويرى غيري أن غزوة سبتمبر هي امتداد أصيل لغزوة بدر الكبرى، وأن تقييم غزوة سبتمبر يشترط لها ما يشترط للإجماع الفقهي من انقراض العصر حتى يكون معيار تقييمها قائما بالقسط، فإن المعاصرة من أشد موانع المناصرة، وكم من فارس مسلم شهم وغزوة غارقة مجيدة في تأريخنا الإسلامي ما جرت الألسن على قبولها والإذعان لها إلا بعد انقضاء عصرها عصر الحسد والإغماض والمنافسة، المانعة من اعتراف المعاصرين بالفضل والإذعان والمؤانسة، والحق أن يوم الحادي عشر من سبتمبر كان يوما ما قبله ليس كالذي بعده، فهو من هذا الوجه يوم فرقان كيوم بدر الكبرى الذي طأطأ الله به رؤوس طواغيت الكفار يومئذ، وفي يوم سبتمبر الأكبر طأطأ الله فيه راس هبل العصر أمريكا وضعضع دعائمها علي يد فرسان قاعدة الجهاد، فكانت بدرا في وجه من وجوهها، ومعنى من معانيها، فرحم الله تلك الأرواح الأبية الطاهرة التي ثوت تحت التراب الأمريكي، وسدم عليها في الخالدين. وختاما؛ ففي اليومين الفارقين يوم بدر ويوم سبتمبر ؛ لم يخطر على بال أحد من البشر أن أجل القوى العالمية قد بدأ من هاتين النقطتين الفارقتين، فأجل قريش وفارس والروم قد بدأ عدهم التنازلي منذ يوم الجمعة 2/9/17ه, كما لن يخطر ببال أكثر أهل العصر أن أجل أمريكا وحلفائها قد بدأ
عدهم التنازلي في يوم الثلاثاء 1422/6/23ه, وأن ما سيعقب ذلك هو بدايات النهوض لعالم المستضعفين كما هي سنة الله الثابتة في التأريخ يقول سبحانه وتعالى:
﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص]
ولا أظن أن أحدا من الناس مهما بلغت قوة تحليله للأحداث كان يتوقع أن تسعة عشر فارسا مسلما كان قادرا على الفتك بستة آلاف كافر في بلد الأقمار الاصطناعية، والمخابرات المركزية، ومنتجة الأجهزة التجسسية الدقيقة، ولكنه محض توفيق الله للأمة الإسلامية وطليعتها الموفقة في جماعة قاعدة الجهاد التي سجلت في تأريخنا الإسلامي صورة عزيزة من صور الفتوة الجهادية والحمية الإسلامية، ومعلما من معالم قمة التحدي الإسلامي للصلف الأمريكي الصليبي المعاصر، وجزى الله شاعر الحماسة الإسلامية إذ وثق ذلك بقوله المعسول:
فلله عـــزم مـــن أولي العـــزم صـادق ولله صــبر مـــا رآى مثلــه الصــــُّبر 🔹 ولله ضــــرب لم تـــر البيـــض مثلـه ولا سمعـــت عنـــه الردينيـــة السمــر 🔸 ولا فعلــة في الكفـــر كـــانت كفعـله ولا فتكــــة فيـــه عـــوان ولا بكــر 🔹 نطحتـــم بعـــزم هـــامة الكفـر نطحة تهشـــم منـــها الـرأس ، وانقصم الظهــر 🔸 فخـــرت قـــلاع الكفر للأرض بعــدما تبخـــر منـــه الشطــر واشتعــل الشطر 🔹 فقامـــت مــن الهـــول الــرهيب قيامة تحـــير في أوصـــافها الفكـــر والشعـر 🔸 وأضـــحى حمـى الأعـــداء للنـار مرتعـا وكـــان حمـــى حظـــرا وما نفع الحظر 🔹 ففروا فــــرارا ، يجمحـــون كأنــهم من الذعر فئــــران تملكهــــا الذعـــر 🔸 فأدركتـــم ثـــأرا من الكفـــر ضائعـا بثــــأر كهـــذا الثـــأر فليدرك الثأر 🔹 فأنهــلتم منـــه الــــردى ثََــم فارتوى وعـــل ولم يعجلـــه عـن علــه صــدر 🔸 شفيـــتم صــــدورا ملـؤها الغيظ قبلكم ألا بعــد طـــول الغيـــظ قد شفي الصدر 🔹 وأيقظتــــم التـــــاريخ بعــد سباتـه فقـــــد نهضت حطين ، واستيقظـــت بدر
لتحميل المقال بصيغة pdf
للتحميل اضغط هنا 📥
لتعيش تفاصيل هذه الغزوة ندعوك لقراء كتاب
📚 عمليات 11 سبتمبر بين الحقيقة والتشكيك
للتحميل اضغط هنا 📥
صانع المجد

0 تعليق