جرعة وعي مكثفة من رواية 1984م

نشرت من قبل administration_admin في

📝 تعرفت على أحد أهم أفكار رواية (1984) قبل سنوات من قراءتي لها للمرة الأولى!..

إنه عام 2001م تحديدا في أهم أيام هذا القرن حتى الآن..

استيقظنا صباحا على أنباء ما يحدث في أمريكا.. لم تكن مواقع التواصل أو القنوات الإخبارية بذات الانفتاح الحالي.. لكني أذكر أن هذا الحدث نُقِلَ كاملا إلى العالم كله مباشرة من نيويورك..
من الذي يضرب أمريكا؟ لا يهم!

خرجت هذا اليوم إلى الشارع، وفي اليوم التالي إلى مكان دراستي وبعض الشؤون.
كان الجميع يهلل فرحا وشماتةً!
الحي الذي أعيش فيه سعيد.. المدرسة سعيدة..
كل الناس سعداء كأنما المنتخب القومي انتصر في نهائي كأس العالم!
أمريكا تُصفَع في عُقرِ دارها!

شباب أجيال الألفية يعرفون أمريكا (ما بعد) هذا اليوم.. ولعلهم يندهشون من سبب هذه الفرحة الكبيرة حينئذٍ!
ربما يظن بعضهم أن أمريكا أظهرت وجهها القبيح بعد هذا اليوم!
قد أصدمك أن أمريكا بداية من هذا اليوم بدأت في القلق من سفور وجهها القبيح، وسعت في مداراة العالم الإسلامي بصورة أكبر!
حتى وهي تغزو أحد أهم أركانه: العراق، كانت مشغولة بإنشاء قناة الحرة، لتلميع صورتها عند الشعب العربي، ولم يمر زمن طويل على الغزو قبل أن يبدأ بوش في توجيه خطاب متودد إلى المسلمين، يُنكِر صلتهم (بالإرهاب)! ووصل هذا الخطاب إلى ذروته في عهد أوباما!
أمريكا ما قبل هذا اليوم كانت أشد قبحا واستهتارا!
كانت تحاصر العراق وتقتل أطفاله، وتخرج مادلين أولبرايت لتصدم الناس بعجرفة أن الثمن يستحق، وهو رفاه المواطن الأمريكي، وتحاصر السودان وتقصفه، وتعتدي على الصومال، وتدعم الكيان الsـهيوني في قمع انتفاضة الحجارة، وانتفاضة الأقصى التي اشتعلت قبل اليوم الموعود بعامين..
كانت صورة الشهيد محمد الدرة ووالده تحرق قلب كل عربي ومسلم، وكان المتهم الأول عند الجميع واحد فقط: أمريكا!
لا تفعل إسرائيل كل ذلك إلا بدعم من راعيتها التي تمنع أي مساءلة رسمية دولية أو إقليمية!
كانت أمريكا في تعاملها مع المسلمين مستهترة، مُحتقرة، لا تراهم بجدية.. العالم الإسلامي هو shithole يكفيها منه أن يحفظ من يحكمونه مصالحها!
وهو عالم جعجاع كجامعة دوله العربية، لا يصنع شيئا أكثر من تظاهرات لا تخرج من نطاق بلادها، ولا يسمع بها مواطنو الغرب وأمريكا! ومعارضته بكافة أطيافها، من السياسي إلى الإرها,بي = لا تتعدى حدود ال shithole هذه!
كان الناس يكرهون أمريكا بحق.. وراجت كتب المؤامرات الماسونية الأمريكية، والبروتوكولات!
وامتلأت الأجواء بالقصص المخيفة عن (عبدة الشيطان المتأمركين) الذين ظهروا حينئذٍ في مصر، وصلتهم بالموسيقى والفكر الأمريكي..
كانت أمريكا تمثِّل كل شر وكل بهرج في نفس الوقت!
وكنا قد خرجنا من التسعينيات للتو! وما أدراك ما التسعينيات للكوكب كله!

أمريكا (أنهت التاريخ)!
روسيا يلتسين صارت كيانا مترنحا وأضحوكة والتيار التغريبي غالب فيها..
أوروبا صارت مجرد جماعة من السماسرة والدبلوماسيين عند السيد الأمريكي..
واليابان خرجت للتو من (العلْقة) الاقتصادية التي دبرتها لها أمريكا لتحجيمها..
الصين والهند دول عالم ثالث..
العالم كله متخلِّف عن أمريكا عسكريا واقتصاديا وسياسيا بما يقارب قرنا كاملا من الزمان!
حتى الإسلاميون في مصر والعالم العربي أصيبوا بحمى (لبرلة / أمركة) الإسلام سياسيا وفكريا، في تحالف مشؤوم بين أشياخ ومنظري الإخوان تحديدا، ومجموعة من الأكاديميين والمفكرين القاهريين!
بينما على المستوى الشعبي كانت تروى الحكايات الشهيرة عن (أمريكا التي تستطيع بأقمارها الصناعية معرفة مقاس فانلة صدام الداخلية)! وعن (الطائرة الشبح التي تختفي ولا يراها أحد) وكان البعض يتصور أنها تختفي حقا كما ظهر في أحد الأفلام الأمريكية!
يمكنني أن أقرب لك الصورة كالآتي:
في هذا الزمن، كانت أفلام أمريكا التي تدور حول (الخطر الوجودي الذي يهددها) تصوِّر نوعين رئيسيين من المخاطر:
إما (طبيعية): زلازل وبراكين هائلة ومرعبة، أو نيزك فضائي شارد سيدمر الأرض.
وإما (غير طبيعية): كائنات فضائية (يوم الاستقلال) أو مخلوقات غريبة (جودزيلا)!
لا يوجد خطر (بشري) حقيقي إلا في أفلام نادرة!
وهي تنتصر في كل تلك الأفلام!
تهزم الفضائيين، وتقتل جودزيلا، وتفجر النيازك، وتمر قوية من الأعاصير والبراكين! وحتى إن ظهر خطر (بشري) نادر، ستنتصر عليه في النهاية!
أمريكا ما قبل يوم البرجين، كانت تقبع فوق رؤوس البشر جميعا، وكان الكوكب كله يئن تحت وطأة تفوقها الكاسح، واستخفافها بالجميع!
فجأة! استيقظنا على أمريكا تصرخ ذعرا!

كان الجميع سعيدا..
وقد استنكر الناس صنيع شيخ الأزهر حينها، طنطاوي، الذي هرول ليتبرع بدمه للأمريكيين! يا عم دم الفلسطينيين لسه منشفش! صورة محمد الدرة مرسومة في كل مكان! اليساريين والإسلاميين وكافة أطياف السياسة المصرية تكره أمريكا بعمق! حتى النظام نفسه يسمح لصحفه الحكومية بشن حملات مزلزلة من مقالات التحريض على أمريكا!
لكن بعد شهر تقريبا.. بدأت أشاهد للمرة الأولى في حياتي رواية 1984!

أحد أهم الأفكار في الرواية، أن (الأخ الأكبر) يملك مؤسسة (تعيد ضبط التاريخ) بصورة دائمة..
أي أن النظام إن كان في صداقة مع الدولة (س)، ثم انقلب عليها لاحقا ودخل معها الحرب، فهو يأمر تلك المؤسسة بإعادة كتابة التاريخ مرة أخرى ليصبح كالآتي: النظام في معركة دائمة وعداوة لا تهمد مع تلك الدولة! وتُحذف كل كلمة كُتبت قديما عن الصداقة الزائلة!
فلان كان بطلا قوميا توجد أخباره في كل مكان.. ثم انقلب عليه النظام.. حينئذٍ تُعيد تلك المؤسسة كتابة التاريخ: فلان كان مجرما دوليا يحاربه النظام منذ مفتتح التاريخ! وهكذا!

لقد اختفت كل أخبار فرحة المصريين في هذا اليوم إلى الأبد!
قررت الصحف أن الشعب حزين!
اختفى خبر المشكلة التي حدثت في تدريب النادي الأهلي بين مانويل خوزيه ولاعبي الأهلي، الذين وجدهم سعداء يحتفلون، فصُدِم ودخل في مشادة معهم!
اختفى الاحتفاء بكسر أنف الجبروت الأمريكي!
ثم ظهرت لاحقا نبرة استمرت إلى هذا اليوم، تزعم أن المصريين كانوا (مصدومين) أو (يمتلئون حزنا)!

حينما قرأت رواية 1984 لاحقا، لم تؤثر في نفسي فكرة أكثر من موضوع (إعادة كتابة التاريخ هذه) إذ استدعت فورا إلى ذاكرتي ما حدث من (تزوير) واضح لمشاعر شعب كامل.
من أفراح وتهنئة، إلى (لقد كان الأسى يملأ قلوبهم)!
وكانت دهشتي أكبر من عدم مناقشة أحد لعملية التزوير التاريخية تلك!

🖋 أ. عمرو عبد العزيز

صانع المجد

صانع المجد 
GLORY MAKER
GLORY MAKER


0 تعليق

اترك تعليق

%d مدونون معجبون بهذه: